هل يشهد صيف 2025 فعلاً موجة حرّ غير مسبوقة؟ بين العلم والمخاوف الإقليمية
مع اقتراب فصل الصيف، تتسارع التحذيرات والتوقعات بشأن موسم صيفي يُتوقّع أن يكون قاسيًا من حيث درجات الحرارة، لا سيما في مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فهل نحن أمام صيف هو الأكثر حرارة في التاريخ؟ وما حقيقة هذه التوقعات؟ وما العوامل التي تجعل منطقتنا في قلب العاصفة المناخية؟
مؤشرات مبكرة على صيف لاهب
البيانات المناخية المسجّلة خلال شهري أبريل ومايو من عام 2025 أظهرت ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة في عدة مدن عربية، وهو ما اعتبره خبراء مناخ “مؤشراً واضحاً ومبكراً” على موسم صيفي حار قد يتجاوز توقعات السنوات السابقة. هذه الزيادات لم تكن مجرد ارتفاعات موسمية طبيعية، بل كانت ذات طابع غير اعتيادي في توقيتها وشدّتها.
منطقة الخليج تحت المجهر
تؤكد الخبيرة البيئية وعالمة المناخ ديانا فرانسيس في حديثها لـ”بي بي سي عربي” أن دول الخليج العربي تسجل بالفعل أعلى درجات حرارة على كوكب الأرض خلال فصل الصيف، مشيرة إلى أن موسم 2025 قد يشهد ارتفاعًا يتراوح بين درجة إلى درجتين مئويتين فوق المعدل الموسمي المعتاد، خصوصًا في دول مثل العراق، الكويت، وإيران.
وترجع فرانسيس هذه الظاهرة إلى التأثيرات المتسارعة للاحتباس الحراري، الذي لا يُعدّ مجرد احتمال علمي بل واقع ملموس ينعكس مباشرة على نمط الطقس في هذه المناطق.
السياق العالمي: ارتفاعات حرارية قياسية
وفقًا لبيانات مرصد “كوبرنيكوس” الأوروبي لمراقبة تغيّر المناخ، كان صيف عام 2024 هو الأشد حرارة على الإطلاق عالميًا. وعلى الرغم من أن صيف 2025 قد لا يتجاوز حرارة الصيف الماضي، إلا أنه يُتوقع أن يحل في المرتبة الثانية كأكثر الفصول سخونة منذ بدء تسجيل المناخ عالمياً، مما يُبقي مستوى القلق مرتفعًا للغاية.
كما أفادت “كوبرنيكوس” بأن شهر يناير 2025 وحده شهد متوسط حرارة تجاوز معدلات ما قبل الثورة الصناعية بـ1.75 درجة مئوية، وهي زيادة تُنذر باقتراب العالم من الحدود الحرجة لمؤشر الاحترار العالمي.
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: منطقة الخطر
كشف تقرير علمي نشرته مجلة JGR Atmospheres في نوفمبر الماضي أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ترتفع فيها درجات الحرارة بمعدل أسرع من معظم مناطق العالم – وتحديدًا بمقدار يُراوح بين ضعفين إلى ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي.
ووفقًا لفرانسيس، فقد ارتفعت درجة حرارة المنطقة منذ عام 1980 بمقدار 0.52 درجة مئوية، مع مساهمة واضحة لعوامل مثل جفاف الينابيع وتراجع معدلات الأمطار، مما يزيد من تفاقم أزمة الاحتباس الحراري ويدفع باتجاه فصول صيفية أكثر تطرفًا.
المستقبل: موجات حر قاتلة ومخاطر مضاعفة
تشير النماذج المناخية المستقبلية إلى أنه بحلول عام 2100، قد تسجل بعض المناطق في الخليج العربي ارتفاعًا في درجات الحرارة يصل إلى 9 درجات مئوية فوق المعدل الحالي. وتركزت أبرز “النقاط الساخنة” بحسب دراسة علمية فوق الرياض – العاصمة السعودية المكتظة بالسكان – وكذلك فوق مناطق واسعة من الجزائر، موريتانيا، وسلسلة جبال البرز في إيران.
كما توقعت منظمة الأرصاد الجوية العالمية أن تشهد عدة مناطق حول العالم، ومن ضمنها شمال إفريقيا والخليج، تجاوزاً لدرجات الحرارة المعتادة خلال صيف 2025، مشيرة إلى أن الظواهر الجوية المتطرفة قد تصبح “الواقع الجديد”.
خرائط الإنذار المبكر وتداعيات حقيقية
في السياق ذاته، نشرت صحيفة نيويورك تايمز خرائط محدثة تُظهر ارتفاعات الحرارة اليومية حول العالم، حيث سجّلت بعض المناطق في السعودية وموريتانيا درجات حرارة تجاوزت حاجز 45 درجة مئوية خلال مايو الماضي، وهو رقم يحمل دلالات مقلقة، خصوصاً إذا استمر التصاعد.
تأثيرات الحرارة المرتفعة لم تعد تقتصر على الشعور بالضيق، بل أصبحت تؤثر على صحة الإنسان، البنى التحتية، إنتاج الغذاء، واستقرار الاقتصاد. تزداد معدلات الوفاة نتيجة الإجهاد الحراري، كما تضعف إنتاجية القوى العاملة وتنهار أنظمة الطاقة والمياه في بعض المناطق مع تكرار فترات الذروة الحرارية.
كيف نواجه حرارة المستقبل؟
تؤكد فرانسيس أن على الدول أن تتحول من سياسات “رد الفعل” إلى استراتيجيات “التكيّف المسبق”، وذلك من خلال تطوير بنى تحتية مقاومة للحر، وتخطيط حضري يراعي التغيرات المناخية، وتحديث أنظمة الإنذار المبكر.
وعلى المدى البعيد، يجب تسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة والتخلص التدريجي من مصادر التلوث مثل الفحم والنفط، وتفعيل الاتفاقيات البيئية الدولية وعلى رأسها اتفاق باريس للمناخ. فرغم مرور عشر سنوات على هذا الاتفاق، الذي أقر في عام 2015 بمشاركة 196 دولة، لا تزال درجات الحرارة في تصاعد مستمر.
خلاصة
صيف 2025 ليس مجرد موسم آخر حار، بل هو فصل يُظهر بوضوح تصاعد أزمة مناخية عالمية، تضع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في واجهة المخاطر. وبين تحذيرات العلماء وتزايد الظواهر المتطرفة، بات التكيّف المناخي أولوية وجودية وليس خيارًا سياسيًا.
إرسال التعليق