×

رصد مناظر خلابة لمجرات بعيدة لأول مرة-صندوق الكنز الكوني

رصد مناظر خلابة لمجرات بعيدة لأول مرة

مرصد “فيرا روبين” يكشف أسرار الكون في أولى صوره: مجرات بعيدة، ونجوم وليدة، وكويكبات جديدة

في خطوة رائدة تُبشّر بعصر جديد من الاكتشافات الفلكية، نشر فريق مرصد “فيرا سي. روبين” في تشيلي أولى الصور المذهلة التي التقطها التلسكوب العملاق لمناظر كونية خلابة، ضمت مجرات بعيدة وحاضنات نجمية مبهرة. وتُعد هذه الصور نقطة انطلاق لمرحلة علمية غير مسبوقة في دراسة الكون، بعد أكثر من عقدين من العمل المتواصل.

موقع استثنائي وتجهيزات عملاقة

يقع مرصد فيرا روبين في منطقة جبلية نائية في شمال تشيلي، ضمن موقع يُعد من الأفضل عالمياً لمراقبة السماء، وذلك بفضل مناخه الجاف وصفاء غلافه الجوي وانخفاض الغطاء السحابي. يُدار هذا المشروع الطموح بتمويل مشترك من المؤسسة الوطنية للعلوم (NSF) ووزارة الطاقة الأميركية (DOE)، ويُعد أحد أكبر الاستثمارات العلمية الحديثة في علم الفلك.

التلسكوب مزوّد بمرآة قطرها 8.4 أمتار، كما يحتوي على أكبر كاميرا فلكية بُنيت حتى الآن، حيث تبلغ دقتها 3.2 غيغابيكسل، وتستطيع التقاط صور عالية الوضوح لمساحات واسعة من السماء في وقت قصير.

صور تخطف الأنفاس: من السُدم إلى المجرات

من بين الصور التي كُشف عنها، صورة مذهلة لسديم تريفيد وسديم البحيرة، وهما منطقتان نشطتان في تشكيل النجوم تقعان ضمن مجرة درب التبانة، على بُعد آلاف السنين الضوئية من الأرض. هذه الصورة اللافتة، التي تظهر بتدرجات وردية وبرتقالية مائلة إلى الأحمر، تم إنتاجها من تجميع 678 صورة منفصلة التقطت على مدار سبع ساعات متواصلة، وتكشف عن تفاصيل لم تُرصد من قبل.

كما عرض المرصد مشهداً رائعاً لجزء من نظام مجرات “العذراء” (Virgo Cluster)، ظهر فيه بوضوح مجرّتان حلزونيتان في الزاوية السفلية اليمنى، وثلاث مجرات اندماجية في الزاوية العليا، ما يعكس الديناميكية الفوضوية التي تميز تشكيل المجرات.

“صندوق الكنز الكوني”: فيديو يكشف ملايين المجرات

وفي إطار الترويج لهذا الإنجاز، نشر الفريق فيديو بصريًا يحمل عنوان “صندوق الكنز الكوني”، يبدأ بتقريب بصري نحو زوج من المجرات، ثم يتوسع تدريجيًا ليُظهر مشهداً مذهلاً يضم نحو 10 ملايين مجرة، ما يعكس اتساع وتعقيد الكون الذي نعيش فيه.

أداة المستقبل: مشروع LSST

في وقت لاحق من هذا العام، سيبدأ مشروع ضخم تابع للمرصد يُعرف بـ “المسح الإرثي للمكان والزمان” (Legacy Survey of Space and Time – LSST)، حيث سيقوم المرصد بمسح السماء كل ليلة على مدار 10 سنوات، بهدف رصد التغيرات الكونية الدقيقة بدقة غير مسبوقة. سيساعد المشروع في تتبع التغيرات الطفيفة في موقع الأجرام السماوية، وفهم تطور المجرات، ورصد انفجارات المستعرات العظمى (Supernovae)، وحتى تعقّب الأجسام القريبة من الأرض.

تكريم اسم رائد: فيرا سي. روبين

يحمل المرصد اسم عالمة الفلك الأميركية الرائدة فيرا روبين، التي كانت أول من قدّم أدلة قوية على وجود ما يُعرف بـ”المادة المظلمة”، وهي مادة غير مرئية تشكّل الهيكل الأساسي للمجرات وتمنع النجوم من الانفلات من مداراتها. يُعتقد أن المادة المظلمة والطاقة المظلمة معاً تُشكلان نحو 95% من مكونات الكون، ومع ذلك لا يزال العلماء يجهلون معظم خصائصهما.

رصد الكويكبات: إنجاز مبكر مذهل

ورغم أن المشروع لم يبدأ عمله بشكل كامل، إلا أن قدراته ظهرت جلية من خلال قدرته على رصد 2104 كويكبًا جديدًا خلال عشر ساعات فقط، من بينها سبعة كويكبات قريبة من الأرض، لم يُشكل أي منها تهديداً مباشراً. وللمقارنة، تكتشف باقي المراصد الأرضية والفضائية نحو 20 ألف كويكب سنوياً، ما يجعل “فيرا روبين” المرشح الأقوى لقيادة الجهود العالمية في رصد الكويكبات والأجرام العابرة بين النجوم.

تصريح من البيت الأبيض: علم يبني المستقبل

علّق مايكل كراتسيوس، المسؤول عن سياسات العلوم والتكنولوجيا في البيت الأبيض، قائلاً:

“مرصد روبين هو استثمار في مستقبلنا، إذ يضع أسس المعرفة التي سيبني عليها أبناؤنا بفخر المستقبل”.


خاتمة

يمثل مرصد “فيرا سي. روبين” خطوة عملاقة نحو فهم أعمق للكون، وسيفتح الباب أمام آلاف الدراسات والاكتشافات التي قد تُعيد تشكيل تصورنا للكون ومكاننا فيه. إنه ليس مجرد تلسكوب، بل أداة تكنولوجية وثقافية تستشرف مستقبل الإنسانية في رحلتها الأبدية لفهم أسرار الفضاء.

إرسال التعليق

ربما تكون قد فاتتك