×

هجرة الأطباء من مصر: بحث عن التقدير أم هروب من المعاناة؟

هجرة الأطباء من مصر

“العودة إلى مصر ليست في خطتي القريبة”، بهذه الكلمات يختصر الطبيب محمد محيسن، استشاري أمراض القلب في مستشفى “سومرست” البريطاني، موقفه من العمل في بلاده، رغم كونه من أوائل دفعته وعمله لسنوات كطبيب مقيم في أحد المستشفيات الجامعية قبل مغادرته لمواصلة دراسته العليا في بريطانيا عام 2016.

يتحدث محيسن لـ”بي بي سي” عن أسباب قراره قائلاً: “لم يكن السفر هدفاً في البداية، لكن بيئة العمل القاسية والظروف المرهقة كانت دافعاً قوياً”. ويضيف: “كنا نتعرض لاعتداءات شبه يومية، وإذا مرّ أسبوع دون إهانة أو شتم أو ضرب، نشكر الله على ذلك”.

واقع قاسٍ يدفع للهجرة

محمد ليس حالة فردية، بل واحد من آلاف الأطباء المصريين الذين غادروا البلاد في السنوات الأخيرة. ضعف الرواتب، وغياب بيئة عمل آمنة، ونقص فرص التطوير المهني، كلها أسباب تدفع بالمزيد من الأطباء نحو الخارج.

بحسب بيانات وزارة الصحة المصرية، يعمل أكثر من 60% من الأطباء المصريين حالياً خارج البلاد، في دول مثل الخليج وبريطانيا وألمانيا وأمريكا. ويحتل الأطباء المصريون المرتبة الثالثة بين الجنسيات الأجنبية في هيئة الصحة الوطنية البريطانية، حيث يتجاوز عددهم 4 آلاف طبيب.

“تجربة قاسية لكن مفيدة”

يصف محيسن تجربته في مصر بأنها كانت “صعبة” لكنها أثرت مهاراته الطبية بسبب ضغط العمل وكثرة الحالات. ومع ذلك، يذكر كيف كان يقيم في المستشفى، ولا يعود إلى منزله سوى مرة واحدة أسبوعياً. كما يحكي عن لحظات اضطر فيها لحماية زملائه من اعتداءات غاضبة، لغياب منظومة تحمي الأطباء وتحاسب المعتدين.

يقول: “المريض في مصر لا يثق بالنظام الصحي، ويأتي غاضباً من البداية. وحين تحدث مشكلة، لا يجد طريقاً واضحاً لتقديم شكوى، فيصب غضبه على الطبيب”.

التخطيط للهجرة منذ مقاعد الدراسة

نهى (اسم مستعار)، طبيبة شابة تعمل حالياً معيدة في جامعة خاصة، قررت منذ التحاقها بكلية الطب أن العمل بالخارج هو الخيار الوحيد لها. لم تقبل العمل بوزارة الصحة، وفضّلت طريقاً يتيح لها ادخار المال لتغطية تكاليف امتحانات المعادلة والسفر، رغم عملها في عيادات تجميل لساعات طويلة مقابل أجر لا يتجاوز 20 دولاراً يومياً.

وتقول: “أشجع طلابي على الاستعداد المبكر للسفر. لا أريد لهم أن يعيشوا نفس المعاناة التي نمر بها هنا”.

سياسة حكومية: الهجرة ليست خسارة

رغم التحذيرات من تأثير هجرة الأطباء على النظام الصحي، تتبنى الحكومة المصرية نهجاً يصف الهجرة بأنها “مكسب اقتصادي”. رئيس الوزراء مصطفى مدبولي صرّح بأن الدولة تستهدف رفع عدد خريجي كليات الطب إلى 29 ألفاً سنوياً، حتى مع سفر الآلاف منهم، بهدف تعظيم التحويلات المالية من الخارج.

كما أشارت الحكومة إلى إقرار قانون المسؤولية الطبية لتجريم الاعتداءات على الطواقم الطبية، وتنظيم آليات المحاسبة في حالات الخطأ الطبي.

نقابة الأطباء تحذر: الأعداد وحدها لا تكفي

على الجانب الآخر، تحذر نقابة الأطباء من أن زيادة أعداد الخريجين دون تحسين بيئة التدريب والظروف المهنية قد تؤدي إلى تدهور في جودة الرعاية الصحية. ويؤكد النقيب أسامة عبد الحي أن الحل لا يكمن فقط في العدد، بل في توفير بيئة عمل جاذبة، وتدريب فعلي، وتأمين الأطباء من الاعتداءات، إذ أصبح كثير من الخريجين يهاجرون دون حتى بدء العمل في مصر.

مستقبل غامض للقطاع الصحي

في ظل استمرار هجرة الأطباء بوتيرة مرتفعة، يظل التساؤل قائماً: كيف يمكن للنظام الصحي المصري أن يضمن علاجاً آمناً وفعالاً لمواطنيه، في غياب العدد الكافي من الأطباء، وتحت ظروف تدفع بالكفاءات إلى الهجرة بحثاً عن تقدير واستقرار مهني؟

إرسال التعليق

ربما تكون قد فاتتك