انتشار السجائر الإلكترونية بين الأطفال والمراهقين: خطر متزايد يهدد الصحة العامة والبيئة
في السنوات الأخيرة، أصبحت السجائر الإلكترونية – أو ما يعرف بـ”الفيب” (Vapes) – واحدة من أكثر المنتجات المثيرة للجدل في سوق التبغ العالمي، ليس فقط بسبب آثارها الصحية المحتملة، بل بسبب الإقبال المتزايد عليها من قبل الفئات العمرية الصغيرة، وخاصة الأطفال والمراهقين.
ورغم أنها طُرحت في البداية كبديل “أكثر أماناً” للمدخنين البالغين، إلا أن تصميمها الجذاب ونكهاتها المتنوعة وحملات التسويق الذكية جعلت منها باباً واسعاً لاستقطاب الجيل الأصغر نحو إدمان النيكوتين.
جاذبية السجائر الإلكترونية للأطفال: من الألوان إلى النكهات
وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية، فإن هناك أكثر من 16 ألف نكهة مختلفة متوفرة للسجائر الإلكترونية، تتنوع بين نكهات الفواكه والحلوى والمشروبات، وكلها مغلفة بتصاميم زاهية وألوان جذابة. ويقول الخبراء إن هذا الشكل التسويقي يستهدف بشكل غير مباشر – أو حتى مباشر أحياناً – الأطفال والمراهقين، عبر استخدام شخصيات كرتونية وحملات على وسائل التواصل الاجتماعي بمشاركة مؤثرين شباب.
ويحذر المختصون من أن هذه الممارسات تسهم في خلق صورة مغرية للسجائر الإلكترونية على أنها شيء “عصري” وغير ضار، مما يزيد من معدلات استخدامها بين الفئات الصغيرة.
تشريعات دولية لمكافحة الانتشار
في محاولة لوقف هذا الانتشار، اتخذت العديد من الدول خطوات صارمة، من بينها المملكة المتحدة التي حظرت اعتبارًا من 1 يونيو/حزيران 2025 بيع السجائر الإلكترونية التي تُستخدم لمرة واحدة. ويهدف هذا الحظر إلى تقليص الإقبال بين الأطفال، والحد من الضرر البيئي الناتج عن التخلص العشوائي منها.
وتشير الإحصاءات البريطانية إلى أن ما يقارب 18% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً استخدموا السجائر الإلكترونية في عام 2024 – وهو رقم يثير القلق بالنظر إلى تأثير هذه المواد على الأجسام النامية.
مخاطر صحية محتملة تفوق التوقعات
رغم أن السجائر الإلكترونية تُعتبر أقل ضرراً من السجائر التقليدية – لكونها لا تحتوي على التبغ أو القطران – إلا أن العديد من الدراسات تحذر من آثارها بعيدة المدى على القلب والرئتين والدماغ، خاصة لدى المراهقين. فهي تحتوي غالباً على النيكوتين، وهي مادة معروفة بقدرتها العالية على التسبب في الإدمان، إلى جانب مواد كيميائية أخرى قد تؤثر على الصحة العصبية والوظائف الحيوية.
وقد أظهرت دراسة لجامعة مانشستر متروبوليتان عام 2020 أن استخدام السجائر الإلكترونية يمكن أن يؤدي إلى تغيرات في وظائف القلب والرئة والأوعية الدموية مشابهة لتلك الناتجة عن تدخين السجائر.
تأثير بيئي موازٍ للتهديد الصحي
لا تقتصر أضرار السجائر الإلكترونية على الإنسان فحسب، بل تمتد لتشمل البيئة كذلك. ففي المملكة المتحدة، يتم التخلص من نحو 5 ملايين سيجارة إلكترونية تُستخدم لمرة واحدة أسبوعياً. وهذه المنتجات تحتوي على بطاريات ليثيوم ومكونات إلكترونية معقدة قد تُسبب تلوثاً بيئياً خطيراً إذا لم تُعالج بشكل سليم.
ومع غياب آليات فعالة لإعادة التدوير، فإن هذه المنتجات تسهم في زيادة النفايات الإلكترونية، وقد تؤدي إلى حرائق أثناء جمع القمامة، كما تحذر الهيئات المحلية.
هل تصبح السجائر الإلكترونية مدخلاً للتدخين التقليدي؟
تحذر منظمة الصحة العالمية من ظاهرة “البوابة”، وهي أن استخدام الأطفال والمراهقين للسجائر الإلكترونية يجعلهم أكثر عرضة بثلاث مرات لبدء تدخين السجائر التقليدية لاحقًا.
ويقدر عدد مستخدمي السجائر الإلكترونية في العالم بنحو 82 مليون شخص، من بينهم ما لا يقل عن 37 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاماً، وهو رقم يعكس حجم التحدي العالمي في التعامل مع هذا المنتج.
وجهة نظر قطاع الصناعة: تقليص الأضرار أم تبرير تجاري؟
من جهتها، ترى صناعة السجائر الإلكترونية أن المنتج يمكن أن يكون أداة مساعدة للإقلاع عن التدخين، وأن تقييد النكهات قد يؤدي إلى عودة بعض المدخنين إلى التبغ التقليدي. ويشير مدير جمعية صناعة السجائر الإلكترونية في بريطانيا، جون دان، إلى أن ثلثي المدخنين السابقين يفضلون نكهات الفاكهة، وأن إزالة هذه النكهات قد تعيق جهود الإقلاع.
لكن مع ذلك، فإن تزايد الأدلة العلمية حول الأضرار البيولوجية والإدمانية، والانتشار الواسع بين الأطفال، يجعل هذه الحجج محل تشكيك من قبل الجهات الصحية.
ماذا بعد؟
في ظل هذا المشهد المعقد، تسعى حكومات العالم إلى تحقيق توازن بين توفير بدائل آمنة للمدخنين البالغين، ومنع انجراف الأطفال والمراهقين نحو الإدمان. وتُعد التوعية، ووضع ضوابط صارمة على التسويق والتوزيع، وتطوير آليات فعالة لإعادة التدوير، من الركائز الأساسية لأي استراتيجية ناجحة في هذا المجال.
ويبقى السؤال الأهم: هل نملك الوقت الكافي لمنع السجائر الإلكترونية من أن تصبح أزمة صحية وبيئية عالمية جديدة؟
إرسال التعليق