×

مؤرخ فرنسي يوثق جحيم غزة: يوميات 32 يوماً تحت القصف والدمار

مؤرخ في جحيم غزة.. يوميات خبير فرنسي تحت القصف


في كتابه الصادم “مؤرخ في غزة”، يقدم المؤرخ الفرنسي المرموق جان بيير فيليو شهادة عينية نادرة عن واقع القطاع المحاصر تحت وطأة الحرب الإسرائيلية، والتي عاش تفاصيلها على مدار 32 يوماً و33 ليلة (من 19 ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى 21 يناير/كانون الثاني 2025).

الكتاب، الذي صدر في 28 مايو/أيار 2025، ليس مجرد سرد صحفي أو تحليل أكاديمي، بل هو صرخة إنسانية تفضح فظاعة ما يتعرض له سكان غزة، وتكشف التواطؤ الدولي والصمت العربي أمام أكبر عملية تطهير عرقي تشهدها المنطقة منذ عقود.

لماذا تُعد هذه الشهادة فريدة؟

  1. مؤلف ذو مصداقية عالمية:
    فيليو ليس صحفياً عابراً، بل هو أكاديمي متخصص في شؤون الشرق الأوسط، عمل دبلوماسياً في الأردن وتونس والولايات المتحدة، وألف أكثر من 20 كتاباً عن القضية الفلسطينية. عموده الأسبوعي في صحيفة “لوموند” (تحت عنوان “مثل هذا الشرق الأدنى”) يتابعه الملايين، مما يمنح شهادته وزناً إعلامياً وأخلاقياً.
  2. غزة المحظورة:
    الاحتلال الإسرائيلي يمنع الصحفيين الأجانب من دخول القطاع إلا تحت رقابة صارمة، مما يجعل رواية فيليو (الذي دخل مع وفد طبي تابع لـ“أطباء بلا حدود”) أحد أندر الشهادات المستقلة التي تسلط الضوء على الواقع المرير بعيداً عن الرواية الإسرائيلية.
  3. بين اليوميات والتاريخ:
    يختلف هذا الكتاب عن أعمال فيليو السابقة (مثل “كيف ضاعت فلسطين: ولماذا لم تنتصر إسرائيل؟”)؛ فهو يأخذ شكل يوميات ميدانية تخلط المشاهدات الشخصية بتحليل تاريخي وسياسي، فضلاً عن إدانة صريحة للعالم الذي يتفرج على المأساة.

“غزة التي عرفتها لم تعد موجودة”.. مشاهدات تكسر القلب

1. الدخول إلى الجحيم

يصف فيليو لحظة وصوله إلى غزة بقوله:

“لا شيء يهيئك لهذا المشهد.. لا الكتب، لا التقارير، لا حتى أخطر تقارير حقوق الإنسان. كنت أشعر وكأنني أدخل عالم دانتي في ‘الكوميديا الإلهية’، حيث الظلام يبتلع كل شيء، ولا يتبقى سوى أضواء القنابل التي تشبه شهب الموت.”

2. خراب لم تشهده البشرية منذ الحرب العالمية الثانية

باستخدام بيانات الأمم المتحدة، يسجل الكاتب:

  • 87% من المباني السكنية دُمرت (141 ألفاً بشكل كلي، و270 ألفاً جزئياً).
  • 80% من الشركات دمرت، وثلثا شبكة الطرق أصبحت غير صالحة.
  • مليوني شخص نزحوا أكثر من مرة، بعضهم يعيش في خيام على الشاطئ تحت برد الشتاء القارس.

3. حياة معلقة بين الأنقاض

رغم الدمار، يلتقط فيليو بصيصاً من المقاومة اليومية:

  • فتيات يحملن حقائب مدرسية ويتسللن بين الأنقاض للوصول إلى مدرسة تدعمها سلطنة عمان.
  • عائلة تجفف ملابسها على شرفة مبنى نصف مدمر، وكأنها تحاول التمسك بذكريات حياة لم تعد موجودة.
  • رجل مسن ينظف عتبة “بابه” المؤقت أمام خيمته، محاولاً الحفاظ على كرامة لم تسلبها القذائف بعد.

“التطهير العرقي”.. تحليل تاريخي للكارثة

يعود فيليو إلى جذور الأزمة، مشيراً إلى أن:

  • غزة كانت واحة خضراء بمناخ معتدل قبل أن يبدأ الاحتلال الإسرائيلي استنزاف مواردها منذ 1967.
  • الحصار المفروض منذ 2007 حوّلها إلى سجن مفتوح، لكن الحرب الحالية (ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023) محَت معالمها تماماً.
  • الدمار اليوم منهجي وممنهج، ويهدف إلى جعل الحياة مستحيلة، مما يدفع الكاتب إلى وصفه بـ“التطهير العرقي” دون تردد.

خيانة العالم.. لماذا يموت الغزيون مرتين؟

  1. الموت الأول: تحت القصف أو بسبب الجوع والمرض في الخيام.
  2. الموت الثاني: عندما تنكر الدعاية الإسرائيلية معاناتهم، ويغيبهم الإعلام العالمي.

“أهل غزة شعروا أن العالم تخلى عنهم. ظنوا أن صور المذابح ستهز الضمير العالمي، لكنهم اكتشفوا أن لا أحد يحرك ساكناً.. حتى الأنظمة العربية.”

مقارنة صادمة: غزة وأوكرانيا

يلاحظ فيليو أن الحرب على غزة أصبحت مألوفة بسرعة مخيفة مقارنة بحرب أوكرانيا، رغم أن الدمار هنا أكثر بشاعة. ويعزو ذلك إلى:

  • تحيز الإعلام الغربي الذي يغطي الصراع بعيون أحادية.
  • غياب المراسلين الدوليين بسبب منع إسرائيل دخولهم.

ختاماً: هل من أمل؟

يتبرع فيليو بكل عائدات الكتاب لـ“أطباء بلا حدود”، لكنه يترك سؤالاً مريراً:

“هل يكفي أن نكتب عن المأساة بينما العالم يتجاهلها؟ غزة لم تُدمر فقط بالصواريخ، بل بصمتنا الجماعي.”

الكتاب ليس مجرد توثيق، بل إدانة للتاريخ الذي يتكرر، وللعالم الذي يتفرج.

إرسال التعليق

ربما تكون قد فاتتك